"لا أحد فوق المساءلة": رسائل القصر النارية في ملف مكافحة الفساد/المختار محمد يحيى

 

مع بداية فصل الشتاء في نواكشوط، حيث يكتسي الأفق زرقة صافية وتنخفض درجات الحرارة لتصبح الأجواء منعشة، تبرز واجهة "القصر الرمادي" المهيبة. يقف هذا الصرح الشامخ، المحاط بحدائق واسعة في قلب العاصمة، كرمز معماري ومركز ثقل سياسي. وبينما يلف السكون النسبي باحة القصر الخارجية مع هدوء الرياح الشمالية الغربية، تظل القاعة الرئيسية بداخله مسرحاً لقرارات حاسمة، تتسارع خلالها وتيرة الجهود الرئاسية التي يقودها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لمواجهة تحديات التنمية الشاملة وبناء شراكات اقتصادية قوية وصامدة مع جهوده لتوطيد دعائم الأمن والإستقرار في بلد محاط ببؤر توتر شديد، إلا أنه قد أعلن بكل شجاعة عن خوض "حرب" لا هوادة فيها ضد الفساد.

تواصل موريتانيا، تحت قيادة فخامة اارئيس غزواني، المضي قدماً في مسار جاد يهدف إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، بالتوازي مع التزام راسخ ببناء دولة القانون والمؤسسات ومحاربة آفة الفساد. ويعكس هذا التوجه رؤية متكاملة تضع مصلحة الوطن والمواطن في صلب الأولويات، معتبرة أن الشفافية والمساءلة دعامتان أساسيتان لأي تقدم حقيقي.

التنمية الشاملة "طموحي للوطن" 

يُعد برنامج "طموحي للوطن" الانتخابي الذي أنتخب الشعب فخامة الرئيس من أجله الإطار المرجعي للعمل الحكومي، الهادف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للفئات الهشة. وقد حققت البلاد تقدماً ملحوظاً في عدة قطاعات حيوية:
الصحة والتعليم: تمكنت الإدارة من تحقيق تقدم اجتماعي كبير عبر إنشاء تأمين صحي شامل للموريتانيين ذوي الدخل المنخفض، وإنشاء بنية تحتية صحية قوية ومنتشرة على كافة التراب الوطني. وفي مجال التعليم، تحتل موريتانيا مكانة رائدة في المنطقة، حيث تعد المدرسة الجمهورية أحد أهم الانجازات التي تعيد الاعتبار لتنشئة التلاميذ على المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات، وتعززت المنظومة التعليمية ببنية تحتية نوعية.
الاقتصاد والبنية التحتية: بلغ النمو الاقتصادي في عام 2024 نسبة 5.2%، كما تم التركيز على تحسين الخدمات العامة الأساسية كالماء والكهرباء والخدمات الرقمية.
الحماية الاجتماعية: تم توسيع برامج الحماية الاجتماعية لدعم الأسر الأكثر احتياجاً، على الرغم من أن نسب الهشاشة ما تزال معتبرة، مما يؤكد الحاجة المستمرة لهذه البرامج.

حرب لا هوادة فيها على الفساد وإرساء الشفافية

أكد رئيس الجمهورية في مناسبات عدة أن الحرب على الفساد هي "خيار استراتيجي لضمان استقرار الدولة". وقد تجسد هذا الالتزام في إجراءات ملموسة:

- ملاحقات قضائية: أحيلت على إثرها عشرة ملفات فساد إلى القضاء خلال الأشهر الأخيرة، شملت سبعين شخصاً، منهم عشرون موقوفون وآخرون قيد التحقيق والمتابعة.

- حوكمة الطلبيات العمومية: تم تقليص صفقات التراضي بشكل كبير حتى قاربت على الاختفاء تماما، وتم تصنيف الشركات وفق معايير محددة لتعزيز الشفافية.

- التحول الرقمي: يعتبر التحول الرقمي أسرع الطرق لمحاربة الفساد، وقد تم إنشاء قطاع حكومي خاص به وإطلاق تطبيقات سهلت حياة المواطنين وعززت الشفافية.
- مساءلة المسؤولين: تمت إقالة مسؤولين وردت أسماؤهم في تقارير رقابية، مثل تقرير محكمة الحسابات، مع التعهد بمتابعة أي مشتبه به بغض النظر عن منصبه أو علاقاته.

الإعلام كشريك في المساءلة: ظاهرة صحية

إن ما يثار بين الفينة والأخرى من قبل الإعلام وبعض الصحف المحلية حول ملفات شبه فساد يُعد، - بالرغم من الملاحظات على مخرجاتها - ظاهرة صحية في سياق دولة القانون والمؤسسات والحوكمة الرشيدة التي ينشدها النظام، تعكس هامش الحرية وتفتح الباب أمام الرأي العام لمراقبة العمل الحكومي. وكل هذه الموضوعات لا تسبب أي حرج للنظام الذي أعلن محاربته للفساد بل الحرج ينصب على من يشتبه فيهم أو تربطهم أدنى علاقة بها. فرئيس الجمهورية نفسه دعا في إحدى الخرجات إلى استغلال ثورة التواصل الاجتماعي لمحاربة الفساد، بدلاً من استخدامها في أمور أخرى.

إن التغطية الإعلامية والجدل العام الذي تثيره تقارير المؤسسات الرقابية، يساهم في إبقاء ملف الفساد تحت الضوء ويؤكد أن الدولة ماضية في حربها على الفساد. هذا التفاعل بين السلطات والمجتمع المدني والإعلام هو ركيزة أساسية لدولة المؤسسات التي تعمل الحكومة على ترسيخ سيادتها وسيادة القانون فيها.

هذا ويبدو بشكل جلي - لنا كداعمين متابعين - أن النظام الموريتاني بقيادة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني يواصل جهوده لتحقيق التنمية الشاملة ومحاربة الفساد كخيار لا رجعة فيه، مؤكداً أن لا تنمية ولا عدالة مع الفساد، وأن مكافحته مسؤولية جماعية تتطلب تضافر كل الجهود الرسمية والشعبية.

ضخ دماء جديدة والاعتماد على الكفاءات

في المقابل يظهر بشكل واضح أنه لانطلاقة تنموية قوية يجب الاعتماد فيها على رأس المال البشري المؤهل، ولا بديل عن ضخ دماء جديدة في شرايين العمل الوطني، فالمرحلة الراهنة تتطلب طاقات متجددة ورؤى مبتكرة تتجاوز الأطر التقليدية. إن التحديات التي تواجه مسيرتنا التنموية تستوجب منا جميعاً استنفار الهمم والاستفادة القصوى من كل طاقة كامنة، لضمان استمرارية الزخم والإنجاز وتحقيق الأهداف الطموحة التي رسمتها القيادة الرشيدة لرئيس الجمهورية.
ولتحقيق هذه الغاية، يجب الاعتماد بشكل أكبر على الأطر الشبابية الواعدة والداعمة لبرنامج رئيس الجمهورية. هؤلاء الشباب هم عماد المستقبل ووقود التغيير الإيجابي، يمتلكون الحيوية اللازمة والفهم العميق لمتطلبات العصر. إن تمكينهم ومنحهم الثقة لقيادة دفة التغيير في مختلف المواقع هو استثمار حقيقي في مستقبل الوطن، يضمن تجديد الرؤى وضخ أفكار بناءة تخدم الصالح العام وتسرّع وتيرة التقدم المنشود.
إن تسلح هذه الكوادر الشابة بروح التفاني والإخلاص وخدمة الوطن هو الضمانة الأكيدة لعبور التحديات وتحقيق الرفعة والازدهار. بروحهم الوطنية الصادقة وعزيمتهم التي لا تلين، يمكننا بناء دولة قوية ومزدهرة ينعم فيها الجميع بالرخاء والاستقرار. لنجعل من المرحلة المقبلة انطلاقة جديدة نحو غد أفضل، قوامها سواعد الشباب والكفاءات المتفانية وقيادتها رؤية رئيس الجمهورية الحكيمة.